سيتم تحويلك إلى موقعي www.omar-mahmoud.com خلال 10 ثوان يمكنك الضغط هنا للانتقال مباشرة

الجمعة، ٢٦ أكتوبر ٢٠٠٧

الشيطان في العيادة النفسية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصّة هي الأثيرة لدي .. فلنتفق أو نختلف حول جودتها الفنية هذا طبيعي .. أما عندما تتكلم الأرقام فلابد أن نتفق في أن القصة تلقى قبولاً كبيراً جداً لدى المتلقين

أترككم .. والحكم لكم

قصتي بعنوان

الشيطان يقلب عيشه

الشيطان في العيادة النفسيّة


: إهداء
: إلى الشيطانِ أقول
! إنَّ بعضًا من بني (آدمَ) يُثبتونَ يوميًّا أنّهم أكثرُ شيطنةً منك.. فيا خيبتَكَ الثقيلة


في عيادتي النفسيّةِ كانت لي تلكَ الأمسية:
بينما أنا جالسٌ أقرأ، تجلّت لي رُوحُ شيطانٍ متمرّد.. قلتُ له وأنا أشيرُ للشيزلونج:
استرحْ وتمدّد.. ماذا تُرى يؤلمُكَ يا سيّد؟
ها ها ها.. إهئ إهئ.
اخفضْ صوتَكَ لئلا تُطرد.. ما المشكلة؟.. أجبْني.. ليس عندي لك وقت.
المشكلةُ أنّي أدمنت.
أدمنتَ ماذا يا هذا؟.. حشيش أم كوكايين أم تُراكَ أدمنتَ الهيروين؟
يا ليتَه كان ذلك.. تلكَ ما كانت مشكلة.. كانَ حلُُّها بيعَ بعضِ الأفدنة.. ولكنَّ الطامّةَ الكبرى أنّي أدمنتُ العمل.
العمل؟!
نعم العمل.. هل لشقائي أمل؟
نعم.. الأملُ موجودٌ ما دامَ ربُّ العرشِ موجودا.
آها.. فما دليلُ وجودِ ربِّ العرش؟
دليلُ وجودِه أنت.
أنا؟!
نعم أنت.. أنتَ موجود، فلا بدَّ أنَّ خالقَكَ موجود.
ضحكَ واختفى من أمامي، وقال :
أنا الآنَ غيرُ موجود.. إذن فاللهُ غيرُ موجود.
ضحكتُ وقلت:
ولكنَّ صوتَكَ موجود.. إذن فأنتَ موجود.
سمعتُ صوتَ الصمت، وصوتًا في عقلي يقول:
هو الآنَ غيرُ موجود، وصوتُه غيرُ موجود.. إذن فاللهُ غيرُ موجود.
ردَّ صوتٌ من قلبي يقول:
ولكنَّ الأعمى الأصمَّ لا يحكمُ بعدمِ وجودِ مَن حولَه من الأحياء، وذلك لأنَّ هناكَ من الدلائلِ الكثيرَ على وجودِهم، وأيضًا لأنَّ...
صرختُ لأمنعَ مَن يتحدّثانِ من الكلامِ وقلت:
اتركا الوجوديّةَ وشأنَها، فما أنا بفيلسوف، ولكنّي طبيبٌ نفسيّ، ولا وقتَ لديّ للفلسفة.
هنا ظهرَ الشيطانُ، فقلتُ له:
أكملْ مشكلتَكَ علّني أحلُّها لك.
استلقى ثانيةً وقال:
كما ترى، لم أعُدْ أستطيعُ السيطرةَ على نفسي.. أوسوسُ في كلِّ وقت.. تراني أوسوسُ في نومي، في أحلامي، في يقظتي.. في كلِّ لحظةٍ أوسوس.. حتّى لم أستطِعْ أن أُمسكَ نفسي عنِ الوسوسةِ لك، على الرغمِ من أنّكَ الذي ستَشفيني.
الشافي هو الله.
أمتأكّدٌ أنتَ أنَّ الشافي هو الله؟.. منِ الذي يفحصُ المريضَ: أنتَ أمِ الله؟.. منِ الذي يصفُ الدواءَ: أنتَ أمِ الله؟.. من الذي يقبضُ الأتعابَ: أنتَ أمِ الله؟
هاه!.. عدنا من جديدٍ للوسوسة؟!
آسفٌ يا دكتور.. ها أنتَ ترى: لا أملِكُ حتّى نفسي.. أتصدّقُ أنّي إذا لم أجِدْ من أوسوسُ له، جلستُ بالساعاتِ أوسوسُ لنفسي؟!!
آه!.. عرَفْتُ الآنَ علَّتَك.. ولكي تُعالجَ من هذه المشكلةِ فأنتَ في حاجةٍ لجرعاتٍ مكثّفةٍ منَ الوسوسة.
ما أجملَه من علاج!.. ولكن يا دكتور من أينَ أحصلُ على هذه الجرعاتِ المكثّـفة؟
لديكَ أماكنُ كثيرةٌ، منها...
سيّدي.. لا تقُلْ لي: البيوت، المساجد، المصالحُ الحكوميّة، المواصلات، الشوارع.
لماذا، وهي من أهمِّ أماكنِ وسوستِك؟!
كانت يا سيّدي.. كانت.. أمّا الآنَ فلم تَعُدْ كذلك.
البيوتُ لم تَعُدْ مسرحًا لعمليّاتِك؟.. أتهزلُ أم ماذا؟
لا أهزل.. ولكنّي أتكلّمُ بكلِّ الجدّيّة.. وسأقنعُكَ الآن.. في الماضي كانَ بإمكاني أن أوسوسَ في ابيوتِ كما أشاء.. ولكنّي الآنَ لا أستطيع.. وذلكَ لأنّه لم يعُدْ فيها مَن أوسوسُ له!
وأينَ ذهبَ قاطنوها؟.. أينَ ربّةُ المنزلِ وأينَ الأولادُ وأينَ سيّدُ الدار؟!
ما هذه المصطلحاتُ البالية؟.. ربّةُ المنزل؟!!.. لم تعُدْ هناك ربّةُ منزلٍ عندما خرجتِ المرأةُ للعمل، ولم تَظلَّ امرأةً بل صارتْ رجلا، تُناطحُه في الحياةِ، وتستنكفُ عليه أن يكونَ رجلا وأن تكونَ هي امرأة، فلم تلبثْ أن هجمت على ملابسِه وانتزعتْها منه وارتدتْها ، ولم تعُدْ ربّةَ المنزل، بل صارت ربّةَ الأعمالِ أو (سيدةَ أعمال).. أمّا الأولادُ فقد هاموا في الشوارع، كلٌّ يبغي أن (يعيشَ حياتَه).. ومعنى أن (يعيشَ حياتَه) هو أن يتنكّرَ من أصلِه، فترى الولدَ مُطيلَ الشعرِ يلبَسُ السلسلة، وترى البنتَ تحلقُ شعرَها وتقصّرُه وتلبَسُ البنطالَ، فما تدري أهذا بنتٌ أم هذه ولد!!.. كلُّ هذا في جانب، وسيّدُ الدارِ في جانبٍ آخر.. أتصدّقُ أنّه ما إنْ أجتمع معه في مكانٍ وأبدأ معه في حوارٍ موسوسٍ، حتّى يصيبَني باكتئابٍ نفسيّ؟!.. فعندما أقولُ له:
أتتركُ امرأَتَكَ تُصافحُ هذا الرجلَ الغريب؟
يقولُ لي ـ تصوّر :
Take it easy.. لا تكُنْ متخلّفا!
وعندما أقولُ له:
من هذا الذي تمشي معه ابنتُك؟
يقولُ لي ببساطة:
(الـ Boyfriend بتاعها.. انت جاي منين؟!)
فأقول:
(Boyfriend.. Boyfriend.. لا مشاكل.. ولكن إلى أينَ يذهبانِ معًا؟
فيمطُّ شفتيه ويقول:
يتمشّيان.. يذهبانِ إلى السينما.. لا تفترضْ سوءَ النيّة.. إنّهما أصدقاء.
هذا يا سيّدي ما ينالُني منَ البيوتِ.. كلُّ ما ينالُني هو صداعٌ ووجعُ دماغ.
هذا عنِ البيوت.. فماذا عنِ المساجد؟
بالنسبةِ للمساجدِ فزوّارُها منذُ الأزلِ هم أفضلُ عملائنا.. ولكنِ الآنَ للأسفِ قلَّ عددُهم جدًّا.. وذلك لعدّةِ أسبابٍ، منها أنَّ المساجدَ الآنَ لا تفتحُ أبوابَها إلا أوقاتِ الصلاةِ فقط، ثمَّ تُغلقُ بعدَها الأبواب!.. ومن هذه القلّةِ التي تدخلُ لتصلّي مَن أستطيعُ أن أهمسَ له وأوسوسَ وأفسدَ عليه صلاتِه، ومَن لا أستطيعُ أن أفعلَ ذلكَ معه.. ففي مرّةٍ، ما إن همستُ لأحدِ المصلّينَ في بدايةِ صلاتِه بكلمةِ "الدكّان" حتّى سلّم.. واندهشتُ جدًّا: لماذا سلّمَ، وهو لم يبدأْ صلاتِه إلا من لحظات؟!.. ولكنَّ دهشتي انمحت، وحلَّ محلَّها التّعجّبُ عندما عرَفتُ أنّه انتهى من صلاتِه.. تصوّرْ أنّه انتهى من الصلاةِ قبلَ أن أُكملَ كلمةَ "الدكّان"!!
فماذا عنِ المصالحِ الحكوميّة؟
المصالحُ الحكوميّة؟!!.. ها ها ها.. هل تدري؟: عندما أنوي الذهابَ إلى أيِّ مصلحةٍ حكوميّةٍ آخذُ في اعتباري أنّني سأقعدُ لأوسوسَ للذبابِ والبراغيثِ والديدانِ، وأيِّ كائناتٍ حيّةٍ أخرى ما عدا البشرَ طبعًا!
لماذا؟.. هل يتركونَ أعمالَهم هم أيضًا، ويخرجونَ إلى الشوارعِ لكي (يعيشوا حياتَهم)؟
نعم يا سيّدي.. هناك من يفعلُ ذلك بالفعل.. والأدهى والأمرُّ أنَّ مَن يأتي للعملِ ـ وهم قلّةٌ ـ ينامون، فتبدو المصالحُ الحكوميّةُ للجاهلِ بها وكأنّها فندقٌ أُعدَّ خصّيصًا للنوم.. خلاصةُ القول: إنّني لا أجدُ بشريًّا واحدًا بعقلٍ واعٍ يسمحُ لي أن أوسوسَ له، ما عدا أولئكَ الذينَ (يُمشّونَ حالَهم)، وهؤلاءِ يوسوسونَ للشيطانِ نفسِه!.. أمّا عنِ الجمهورِ الذي يرتادُ هذه المصالحَ فقد (كبّرَ دماغَه)، وعرَفَ (ديّةَ هذا المشوار).. فمنهم من (يعملُ حسابَه في قرشينِ لزومَ تفتيحِ المخّ)، ومنهم مَن يُحضرُ زوجتَه والأولادَ منذُ الصباحِ الباكرِ ومعهم الغداء، ومنهم مَن لا يأتي أصلا، وهذا هو أشدُّهم (تكبيرًا للدّماغ).. هذا يا سيّدي عنِ المصالحِ الحكوميّة.. أمّا عنِ المواصلاتِ والشوارع...
لا.. لا تَقُلْ لي عنها، فأنا بها خبيرٌ أكثرَ منك.. فالشوارعُ قد ضاقتْ بالمارّةِ من كلِّ الأصناف.. هذا شابٌّ عابثٌ تتأبّطُ ذراعَه شابّةٌ طائشة، وذاكَ شيخٌ عجوزٌ متصابٍ يُعاكسُ الفتياتِ اللاتي من سنِّ أحفادِه، وهذا الذي يسيرُ بسيّارتِه بسرعةٍ جنونيّةٍ (ليعملَ خمسةً في آخرِ الشارع)، وهذه التي تلبَسُ قماشًا لم يُفصّلْ جيّدًا، فظهرتْ به رقعٌ في أماكنَ متفرّقة، وهذه التي بجوارِها، والتي تلبَسُ بنطالا يجبُ على من يريدُ أن يلبَسَه، أن يغمرَه أولا في قنطارٍ من الصابونِ ثلاثةً أيّامٍ بلياليها لكي يتمكّنَ من لبسِه.. ها ها.. إنَّ منظرَ الشوارعِ قد صارَ ككرنفال أو كسيرك كبير، كلُّ شخصٍ فيه يقومُ بدورٍ واحدٍ لا غير: يقومُ بدورِ المهرّج!!
لو سمحتَ لي يا دكتور (عمر).. دعْني أكملُ بدلا عنك، فالمواصلاتُ الآنَ بالنسبةِ لي أهمُّ الأماكنِ التي أمارسُ فيها نشاطي.. ففيها أتمكّنُ من الوسوسةِ لأعدادٍ غفيرةٍ في وقتٍ قصير.. هذا أدفعُه لكي يدوسَ على قدمِ ذاك، وهذا لكي يحتكَّ بتلك، وهذا لكي (يخمَّ الكمسري ويأكلَ عليه التذكرة).. إنّها لُعبةٌ ممتعةٌ، تلك التي أمارسُها في المواصلاتِ العامّة، وخاصّةً الأتوبيسات.
ها أنتَ قد حللتَ مشكلتَكَ بنفسِك.. (عليكَ وعلى الأتوبيسِ) ففيه علاجُك.. أسبوعٌ واحدٌ من العملِ في الأتوبيساتِ سيكفلُ لكَ ما تنشدُ منَ الراحة، وسيحُلُّ لكَ مشكلتَك.
نعم سيكفلُ لي الراحةَ الأبديّة!!.. هل تريدُ تعذيبي يا دكتور؟!!.. هل تعلمُ أنَّ اليومَ الذي أعقدُ العزمَ على قضائه في الأتوبيس، أعقبُه على الأقلِّ بأسبوعٍ راقدًا في سريري أُعالج؟!!
تعالج؟!.. ممَّ تُعالج؟!
منَ الكسورِ والرضوضِ ومنَ الصداعِ النصفيّ!.. إنَّ هذا اليومَ لا يمرُّ عليَّ بخيرٍ على أيِّ الأحوال.. وأنتَ تريدُ منّي أن أعملَ سبعةَ أيّامٍ في الأتوبيسات؟!!.. سبعةَ أيّامٍ كاملةً وسْطَ الأكوامِ المكوّمةِ منَ اللّحمِ المحشور!!.. إنّكَ تريدُ التخلّصَ منّي إذن!
إذن ماذا أفعلُ لك؟.. ألا تستطيعُ التحمّلَ ولو بعضَ الشيء؟.. لا بدَّ أن تتحمّلَ مرارةَ الدواءِ لكي تنعمَ بفائدتِه.
آسفٌ يا دكتور.. أعيشُ مجنونًا خيرٌ لي من أن أموتَ عاقلا!
لقدِ احترتُ في حالتِكَ هذه لا أجدُ لها حلا!.. [وطرقعتُ أصابعي] آه.
هه.. هل وجدتَ الحلّ؟
لا.. ولكن وجدتُ مَن سيجدُه لنا.
من هو؟
إنّه الدكتور (رشاد) أستاذي.. هيّا بنا نذهبُ لعيادتِه.
***
وذهبنا إلى عيادةِ الدكتور (رشاد)، وضغطتُ على الجرسِ حتّى نمّلَ أصبعي.. وأخيرًا فتحَ لنا البابَ الممرّضُ (عاطف) وهو يتثاءب، فقلتُ له وأنا أدخل:
أينَ الدكتور (رشاد)؟
ليس موجودًا.
أينَ أجدُه إذن؟
وصفَ لي العُنوان، فذهبتُ أنا والشيطان إليه، حيثُ استقبلتنا رائحةٌ نفّاذةٌ على الباب.
ودخلنا، ووجدتُ الدكتور (رشاد) جالسًا، فذهبتُ إليه.
وما إن رآني، حتّى أبعدَ الفتياتِ اللائي حولَه واستقبلني قائلا:
أهلا يا دكتور (عمر)..هئ.. تفضّلْ.. اقعد بجانبي.
جلستُ بجانبِه، ورحتُ أحكي له الموضوعَ بصورةٍ موجزة، ثمَّ سألتُه:
ما الحلّ؟
أجابني متسائلا:
أينَ هو هذا الشيطان؟
ها هو بجانبِك يا دكتور.. ذاك الذي تحتضُنه و تغمرُه بالقبلاتِ منذُ ما يَقرُبُ من ساعة.
عدّلَ النظّارةَ على عينيه، وبصقَ بجانبِه وقال:
اعذرني، فأنا ضعيفُ النظرِ كما هو واضح!.. آه.. الحلُّ الوحيدُ لك يا سيّدُ (شط شط) ، أن تقعدَ هنا بجانبي وتشربَ لكَ كأسينِ يُنسيانِكَ اسمَكَ وشغلَكَ، ويجعلانِكَ تسرحُ مع الغربانِ السوداءِ في الرحلةِ المشئومةِ لقصرِ الساحرةِ الشريرة!
ردّ عليه الشيطان:
Fantastic.. Wow .. غربانٌ سوداء.. رحلةٌ مشئومة.. ساحرةٌ شرّيرة.. متأكّدٌ أنتَ يا دكتور من هذا العلاج؟
جرِّب.. لن تخسِرَ شيئا.. اشربْ هذه الكأسَ الآنَ وقل لي ماذا ترى.
شربَ الكأسَ وقال:
..Wow أرى أمامي غرابًا.. لكنَّه أبيض!
إذن فخذ هذه الكأسَ الثانيةَ، وقلْ لي هلِ اسودَّ أم لا.
اسودّ ...الغرابُ اسودّ.. هيه!
تمام.. تريدونَ شيئًا آخرَ منّى؟
شكرًا يا دكتور (عمر).
الشكرُ لله يا عمِّ (شط شط).
متأكّدٌ أنَّ الشكرَ لله، ليسَ لأحدٍ آخر؟
الحقْ يا دكتور (رشاد).
ولحِقَ الدكتور (رشاد)، وأعطاه كأسًا ثالثةً، جعلته يسرحُ مع الغربانِ السوداءِ في مملكةِ التوهان.
وهنا تركتهما، بينما هما يتنافسانِ في الشربِ وعدِّ الغربان.
***
ورجَعتُ إلى البيت، فوجدتُ زوجتي بانتظاري بالموشّحِ اليوميِّ الذي يتغيّرُ حسْبَ الظروف:
أينَ كنتَ؟
في العيادة.
نفدَ المصروف.
يعدّلُها الله.
أينَ حقُّ كشوفِ اليوم؟
لم يكنْ هناكَ غيرُ كشفٍ واحد.. ومجانيّ!
مجانيّ؟!!.. يا خيبتَكَ الثقيلة!.. كشفٌ واحدٌ ومجّانيّ؟!!
المهمُّ أنّي نجحتُ في علاجِه، وقمتُ بمهمّتي المقدّسةِ على أكملِ وجه، ولم أحنثْ بقسمِ (أبوقراط).
دعْ (أبوقراط) ينفعُكَ حينما تتسوّل!.. الناسُ خيبتُها السبتَ والأحد، وأنا خيبتي ما وردت على أحد!
نفسُ الخاتمةِ اليوميّة، بعدَها تتركُني وتدخلُ المطبخَ، لتعدَّ لنا بيضًا مسلوقًا.
أف!
وضعتُ يدي على خدّي وهمستُ ـ لنفسي طبعًا:
الناسُ خيبتُها السبتَ والأحد، وأنا خيبتي ما وردتْ على أحد!
وأخذتُ أفكّرُ بجدّيّةٍ أن أتركَ البيتَ وأذهبَ لمجالسةِ الدكتور (رشاد) والشيطان، أفكّرُ معهما في الغرابِ الأسود ـ طبعًا أنا، والرحلةِ المشئومةِ ـ رحلةِ عمري، والساحرةِ الشريرة ـ زوجتي طبعًا بدونِ شكّ، وأتوهُ معهما في مملكةِ التوهان ـ الدنيا بالتأكيد.
ولكنّي أفقتُ على صوتِ الحرمِ المصونِ وهي تقول:
الغداءُ جاهز.
قمتُ وتناولتُ غدائي ـ طبعًا بيضًا مسلوقًا كالعادة.
***
بعدَها قمتُ لأنام، وحلُمتُ أنّ الحياةَ بعدَها صارت سلاما في سلام، ما دام الشيطانُ قد اعتزل، ولم يعُدْ يقدّمُ ولا يؤخّر.
صحوتُ من النوم، وأنا أعتقدُ أنَّ الخيرَ أصبحَ يملأُ الدنيا، ولكنّي صُدمتُ بالواقعِ:
الشوارعُ نفسُ الشوارع، والناسُ كما هي!
قلتُ:
إذن فالمشكلةُ ليستْ مشكلةَ شيطانٍ فقط.. هناك من هم أكثرُ من الشيطانِ بدرجات.. نحنُ!
وفي هذه اللحظةِ تذكّرتُ قولَه تعالى:
(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم).
***


.. انتهت القصة .. ولم ينتهي كلامي عنها
هذه القصة من أكثر أعمالي بركة فلقد قرأها الألوف من الناس حول العالم وانتشرت على الانترنت بأكثر من وسيلة فكان انتشارها واسعاً شاملاً .. حتى أنني قد أدخل موقعاً ما لأجدها منشورة هناك بواسطة أحد أعضاء الموقع وقد كتب أنها من تأليفي أو لم يكتب

أحد هؤلاء نقل قصتي في مدونته .. كتبت له تعليقاً أطالبه أن يكتب اسم صاحب القصة الذي هو أنا على القصة .. الراجل بكل صراحة يشكر حذف تعليقي وأيضاً لم يضف اسمي على القصة


قصتي كانت أحد محتويات كتاب "احتراف فيجوال بيسك دوت نت" للصديق والأستاذ محمد حمدي غانم وهذا الكتاب تم تحميلة حسب احصاء ثلاث مواقع تحميل فقط ما يقرب من 120000 مرة .. وتم نشرها في كتاب أدباء الإلكتروني الأول وحمل الكتاب اسم القصة "الشيطان في العيادة النفسية" وتم تحميلة قرابة 560 مرة وتم عرض القصة حوالي 1150 مرة وتم التعليق عليها ب 34 تعليق .. وكان تقييم القراء: 77 % ( عدد الأصوات:37)

قد يسألني أحدكم عن سبب كل هذا الكلام والإحصاء والجبر والحساب .. ما الذي أرمي إليه من هذا ؟

: سأخبرك

كنت اختلفت مع بعض الزملاء لي حول هذا العمل تحديداً .. فكان من رأيهم أنه ليس بالقوي .. بينما كان لي رأي آخر رأيي لم يستند إلى أنني كاتب العمل ولكن استند إلى حقائق الأرقام .. الأمر الذي جرنا في النقاش إلى مسأل الأكثرية الباطلة والقلة المؤثرة .. وأن مائة من الذين شكروا القصة لا يتساوون مع واحد من الذين قدحوها في الثقافة والنقد ... الخ

: نعم أنا أؤمن بهذا المبدأ تماماً (مبدأ الأكثرية والأقلية .. لكنه ها هنا لا يمكن تطبيقه لأنه

بلغة الأرقام السابقة لن تكون النسبة 1 : 100 بل ستصل إلى 1 : 1000 وها هنا يمكنني الجزم بأنه مهما بلغت ثقافة هذ (الواحد) لن تصل إلى مجموع الثقافات (الألف) لهؤلاء المتوسطي الثقافة

الكثير ممن علقوا بإيجابية عن العمل كانوا من مرتادي المنتديات الأدبية .. ومن القراء بصفة عامة .. وبعضهم يكتب فعلاً !!! .. هذا يعني أنهم ليسو من تلك الفئة الجاهلة

إن افترضت فرضاً جدلياً أن هؤلاء كلهم جهلة ولا ثقافة لديهم ولا لديهم هواية الكتابة الأدبية ولا القراءة كذلك .. فيبقى رغم كل هذا أنهم لا زالوا قراءً .. ورأيهم يهمني فعلاً أهم من رأي أي أحد بل هو ورأي الناقد الذي يرشدي إلى مساوئ أعمالي ومحاسنها يتساوي مع رأي هذا القارئ الذي يشجع ويحمس .. أو يحذر وينبه ؛ إعجاباً بالعمل وجوداً وعدماً


إلى هنا سكتت أم محاسن عن الكلام المباح .. وقالت يكفيكم ما كتبته لكم من كلامٍ حتى الصباح
!!! هذ إن لاح عليكم صباح

انتهيت من تدوينتي وأنتظر رأيكم الشخصي حول القصة هل أعجبتكم ولماذا .. ألم تعجبك ولماذا ؟
الأخوة الذين جاءت سيرتهم في المدونة انتم تعرفون أنفسكم .. لو قراتم هذه التدوينة أتمنى أن أرى تعقيباتكم



أستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه

ألقاكم قريباً بإذن الله


تحياتي